ما هو الغاز المصاحب للبترول؟

ما هو الغاز المصاحب للبترول؟ ثروة طاقة مهدرة أم مورد استراتيجي؟

يُعتبر الغاز المصاحب للبترول (Associated Petroleum Gas - APG) أحد أهم الموارد الطبيعية التي طالما أثارت الجدل في صناعة الطاقة العالمية. لسنوات طويلة، كان يُنظر إليه كمنتج ثانوي غير مرغوب فيه، وعائق أمام استخراج الذهب الأسود، مما أدى إلى حرقه في الشعلات وتلويث البيئة. ولكن، مع تطور التكنولوجيا وتزايد الحاجة العالمية للطاقة، تغيرت النظرة تماماً. فما هو هذا الغاز تحديداً؟ وكيف يتكون داخل مكامن النفط؟ وما هي مكوناته الكيميائية؟ وكيف تحولت الدول من حرقه إلى استغلاله كمورد اقتصادي هائل يغذّي محطات الكهرباء والصناعات البتروكيماوية؟ في هذه المقالة، سنغوص في أعماق حقول النفط لنكتشف أسرار هذا الغاز، ونستعرض رحلته من باطن الأرض إلى الأسواق العالمية.

تختلف طبيعة الغاز المصاحب عن الغاز الطبيعي الحر (Non-Associated Gas). فالأول يوجد مذاباً في النفط الخام تحت ضغوط عالية، أو كقبعة غازية تعلو خزان النفط، بينما يوجد الثاني في مكامن مستقلة. عملية فصل هذا الغاز ومعالجته تتطلب تقنيات دقيقة لضمان الاستفادة القصوى منه وتقليل الأضرار البيئية الناتجة عن انبعاثاته.

المكونات الأساسية وخصائص الغاز المصاحب للبترول 🧪

يتألف الغاز المصاحب من خليط معقد من الهيدروكربونات والشوائب. فهم هذه المكونات هو الخطوة الأولى لتحديد قيمته الاقتصادية وطرق معالجته المناسبة. ومن أبرز هذه المكونات والخصائص:
  • الميثان (Methane - CH4) 💨: يُشكل الميثان النسبة الأكبر من الغاز المصاحب، وعادة ما تتراوح نسبته بين 60% إلى 80%. هو المكون الأساسي للغاز الطبيعي المستخدم في المنازل ومحطات توليد الكهرباء، ويتميز بكونه وقوداً نظيفاً مقارنة بالفحم والنفط.
  • الإيثان (Ethane - C2H6) 🧬: يُعتبر الإيثان ثاني أهم مكون، وهو حجر الزاوية في صناعة البتروكيماويات. يتم فصله واستخدامه لإنتاج الإيثيلين، الذي يدخل في صناعة البلاستيك، والأنابيب، ومواد التغليف، مما يمنحه قيمة صناعية تفوق قيمته كوقود للحرق.
  • غازات البترول المسال (LPG - Propane & Butane) 🔥: يحتوي الغاز المصاحب على نسب معتبرة من البروبان والبيوتان. هذه الغازات أثقل من الميثان، ويمكن تسييلها بسهولة تحت ضغط منخفض، وتستخدم بشكل واسع في أسطوانات الطبخ المنزلي، ووقود للسيارات، وكلقيم للصناعات الكيماوية.
  • المتكثفات (Condensates) 💧: يحتوي الغاز المصاحب غالباً على هيدروكربونات سائلة خفيفة تُعرف بالمتكثفات (مثل البنتان والهكسان). هذه السوائل عالية القيمة تُستخدم لتحسين نوعية النفط الخام أو كوقود ومذيبات في الصناعات المختلفة.
  • الشوائب والغازات الحمضية (Impurities) ⚠️: على عكس الغاز الحر، قد يحتوي الغاز المصاحب على شوائب ضارة مثل كبريتيد الهيدروجين (H2S) وثاني أكسيد الكربون (CO2). وجود هذه الغازات يجعله "غازاً حامضاً" يتطلب عمليات معالجة مكلفة لإزالة الكبريت ومنع تآكل الأنابيب وحماية البيئة.
  • الماء وبخار الماء 🌧️: يخرج الغاز مشبعاً ببخار الماء من باطن الأرض. يجب إزالة هذا الماء (عملية التجفيف) لمنع تكون الهيدرات التي قد تسد خطوط الأنابيب، ولرفع الكفاءة الحرارية للغاز.
  • القيمة الحرارية المتغيرة (Calorific Value) 🔥: تختلف القيمة الحرارية للغاز المصاحب من حقل لآخر بناءً على غناه بالسوائل (Rich Gas) أو فقره (Lean Gas). الغاز الغني بالسوائل يمتلك قيمة حرارية أعلى وقيمة اقتصادية أكبر بسبب محتواه من سوائل الغاز الطبيعي (NGLs).
  • الضغط والحرارة 🌡️: عند استخراجه، يكون الغاز تحت ضغط وحرارة المخزن النفطي. عملية "الفصل" تعتمد على خفض هذا الضغط تدريجياً في محطات فصل الغاز عن الزيت (GOSPs) لتحرير الغاز المذاب من السائل النفطي.

إن فهم تركيبة الغاز المصاحب هو المفتاح لتحويله من منتج ثانوي يتم حرقه في الهواء، إلى ثروة وطنية تساهم في الناتج المحلي الإجمالي.

طرق التعامل مع الغاز المصاحب: من الحرق إلى الاستثمار 🏭

تطورت استراتيجيات التعامل مع الغاز المصاحب بشكل جذري في العقود الأخيرة، مدفوعة بالضغوط البيئية والجدوى الاقتصادية. وفيما يلي أبرز الطرق المتبعة عالمياً:

  • الحرق في الشعلة (Gas Flaring) 🔥: تُعتبر الطريقة التقليدية والأكثر إهداراً، حيث يتم حرق الغاز في الهواء للتخلص منه لعدم وجود بنية تحتية لنقله أو معالجته. هذه الممارسة تسبب تلوثاً بيئياً كبيراً وهدراً لموارد الطاقة، وتسعى المنظمات الدولية لوقفها تماماً بحلول عام 2030.
  • إعادة الحقن في المكامن (Gas Re-injection) 💉: تُستخدم هذه التقنية للحفاظ على ضغط المكمن النفطي وزيادة معدلات استخراج النفط (الاستخلاص المعزز للنفط - EOR). يتم ضغط الغاز وإعادة ضخه في باطن الأرض، مما يضرب عصفورين بحجر واحد: التخلص من الغاز وتخزينه للمستقبل، وزيادة إنتاج النفط.
  • توليد الطاقة الكهربائية في الموقع (Power Generation) ⚡: تستخدم بعض الشركات الغاز المصاحب مباشرة كوقود لتشغيل التوربينات الغازية التي تمد الحقل ومرافقه بالطاقة الكهربائية، مما يقلل من تكاليف التشغيل ويستفيد من الوقود المتوفر محلياً.
  • المعالجة والفصل (Gas Processing) 🏗️: يتم نقل الغاز إلى معامل معالجة مركزية لفصل مكوناته الثمينة. يتم فصل الميثان لضخه في الشبكة الوطنية للغاز، وفصل الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي (NGLs) لبيعها كمنتجات بتروكيماوية عالية القيمة في الأسواق العالمية.
  • تحويل الغاز إلى سوائل (GTL - Gas to Liquids) 💧: تقنية متقدمة تحول الغاز الطبيعي كيميائياً إلى منتجات سائلة عالية الجودة مثل الديزل النظيف، والنافثا، والزيوت الأساسية. هذه التقنية تجعل نقل المنتجات أسهل وأكثر جدوى اقتصادية، خاصة في الحقول البعيدة عن شبكات الأنابيب.
  • التسييل للتصدير (LNG - Liquefied Natural Gas) 🚢: في الحقول البحرية الكبيرة أو المناطق النائية، يمكن تبريد الغاز المصاحب إلى -162 درجة مئوية ليتحول إلى سائل (غاز طبيعي مسال)، مما يقلل حجمه 600 مرة ويسهل نقله عبر الناقلات العملاقة إلى الأسواق العالمية.
  • مشروعات "الحد من الحرق" (Zero Flaring Initiatives) 🌍: تتبنى العديد من الدول وشركات النفط الكبرى مبادرات البنك الدولي لوقف الحرق الروتيني للغاز. يتضمن ذلك الاستثمار في البنية التحتية، وشبكات الأنابيب الصغيرة، ووحدات المعالجة المتنقلة للاستفادة من كل قدم مكعب من الغاز.
  • الاستخدامات المحلية والصناعية 🏘️: في بعض المناطق، يتم توجيه الغاز المصاحب بعد معالجة بسيطة لتغذية المصانع القريبة (مثل مصانع الأسمنت أو الألومنيوم) أو لاستخدامات التدفئة والطهي في المجتمعات المحلية المجاورة للحقول.

إن التحول نحو استثمار الغاز المصاحب ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو ضرورة بيئية ملحة للحد من الانبعاثات الكربونية ومكافحة التغير المناخي.

الأثر الاقتصادي والبيئي لاستغلال الغاز المصاحب 💰🌿

يحمل الغاز المصاحب في طياته تأثيرات مزدوجة؛ فهو يمثل تحدياً بيئياً إذا أسيء استخدامه، وفرصة اقتصادية هائلة إذا تم استثماره. وتتجلى أهمية إدارته في النقاط التالية:

  • تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة ☁️: حرق الغاز يطلق ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون (CO2) والميثان (الذي يعتبر أكثر ضرراً بـ 25 مرة من CO2) في الغلاف الجوي. استغلال الغاز يساهم بشكل مباشر في تقليل البصمة الكربونية لقطاع الطاقة.
  • تعظيم العوائد المالية للدول المنتجة 💵: بدلاً من حرق "المال" في الهواء، يمكن لبيع الغاز ومشتقاته أن يضيف مليارات الدولارات لميزانيات الدول النفطية. الغاز المعالج ومنتجاته (مثل البتروكيماويات) غالباً ما تكون ذات قيمة مضافة أعلى من الغاز الخام.
  • دعم أمن الطاقة 🛡️: يوفر الغاز المصاحب مصدراً إضافياً وموثوقاً للطاقة المحلية، مما يقلل الاعتماد على استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء، ويعزز استقلالية الطاقة للدولة.
  • خلق فرص عمل وتنمية صناعية 👷: تطوير البنية التحتية لمعالجة الغاز ونقله يخلق آلاف الوظائف الهندسية والفنية. كما أن توفر غاز اللقيم (Feedstock) يشجع على قيام صناعات بتروكيماوية وتحويلية متقدمة في المناطق المجاورة.
  • تحسين الصحة العامة 🩺: يؤدي حرق الغاز بالقرب من المناطق السكنية إلى انبعاث ملوثات تسبب أمراضاً تنفسية ومشاكل صحية للسكان. وقف الحرق واستغلال الغاز يحسن جودة الهواء ويحمي صحة المجتمعات المحلية.

تتجه كبرى شركات الطاقة الآن لدمج إدارة الغاز المصاحب ضمن استراتيجياتها الأساسية، ليس فقط للامتثال للقوانين، بل لتعزيز الربحية والاستدامة على المدى الطويل.

جدول مقارنة: خيارات التعامل مع الغاز المصاحب

طريقة التعامل الوصف الجدوى الاقتصادية الأثر البيئي
الحرق (Flaring) حرق الغاز في الهواء عند فوهة البئر خسارة كاملة للموارد (صفر عائد) سلبي جداً (انبعاثات عالية)
إعادة الحقن (Re-injection) ضخ الغاز مرة أخرى في المكمن عالية (زيادة إنتاج النفط + تخزين) إيجابي (عزل الكربون تحت الأرض)
المعالجة والبيع فصل المكونات وبيعها في السوق عالية جداً (بيع غاز وكيمياويات) إيجابي (وقود نظيف بديل للفحم)
توليد الكهرباء محلياً استخدامه لتشغيل التوربينات في الحقل متوسطة (توفير تكاليف الوقود) مقبول (استغلال بدل الحرق)
تحويل الغاز لسوائل (GTL) تحويل كيميائي لمنتجات سائلة (ديزل) عالية (منتجات مميزة سهلة النقل) جيد (وقود نظيف قليل الكبريت)
التنفيس (Venting) إطلاق الغاز مباشرة دون حرق خسارة كاملة كارثي (إطلاق ميثان مباشر)
الصناعات البتروكيماوية استخدام الإيثان كلقيم للصناعة الأعلى عائداً (قيمة مضافة) إيجابي (استثمار الموارد)
الغاز الطبيعي المسال (LNG) تسييل الغاز للتصدير البحري عالية (وصول للأسواق العالمية) إيجابي (نقل طاقة نظيفة)

أسئلة شائعة حول الغاز المصاحب للبترول ❓

يدور الكثير من النقاش حول هذا المورد الطاقي، إليكم إجابات على أكثر الأسئلة تداولاً لفهم أعمق لطبيعته واستخداماته:

  • ما الفرق بين الغاز المصاحب والغاز الطبيعي غير المصاحب؟  
  • الفرق الرئيسي يكمن في المصدر؛ فالغاز المصاحب يوجد مختلطاً بالنفط الخام في نفس المكمن ويستخرج معه كمنتج ثانوي، بينما الغاز غير المصاحب (أو الغاز الحر) يوجد في مكامن غازية مستقلة لا تحتوي على نفط، وعادة ما يكون الغاز المصاحب أغنى بالسوائل (المتكثفات).

  • لماذا يتم حرق الغاز المصاحب بدلاً من استخدامه؟  
  • يتم الحرق عادة لأسباب اقتصادية أو لوجستية، حيث قد تكون كميات الغاز المستخرجة صغيرة ولا تبرر تكلفة بناء شبكات أنابيب ومصانع معالجة لنقلها، أو لبعد الحقول عن الأسواق الاستهلاكية. لكن هذا التوجه يتغير الآن مع فرض عقوبات بيئية وتطور تقنيات المعالجة المصغرة.

  • هل الغاز المصاحب صالح للاستخدام المنزلي؟  
  • نعم، ولكن بعد المعالجة. الغاز الخارج من البئر يحتوي على شوائب وسوائل تجعله غير آمن للاستخدام المباشر. يجب فصله في المحطات، وإزالة الكبريت والماء، وفصل غازات الطبخ (البروبان والبيوتان) عن الميثان الذي يضخ في شبكات المدن.

  • ما هي الدول الأكثر حرقاً للغاز المصاحب؟  
  • وفقاً لتقارير البنك الدولي، تعد روسيا، والعراق، وإيران، والولايات المتحدة من بين الدول التي تسجل أعلى معدلات لحرق الغاز، وتعمل هذه الدول حالياً على مشاريع ضخمة لتقليل هذه النسب واستغلال الغاز.

  • هل يحتوي الغاز المصاحب على مواد سامة؟  
  • نعم، قد يحتوي على غاز كبريتيد الهيدروجين (H2S) السام جداً، والذي يعطي رائحة "البيض الفاسد". لذلك، تعتبر عملية "تحلية الغاز" (Sweetening) خطوة أساسية لإزالة هذا السم وجعله آمناً للاستخدام والنقل.

ختاماً، يمثل الغاز المصاحب فرصة ذهبية للدول المنتجة للنفط لتحقيق تنمية مستدامة، وتحويل تحدي الانبعاثات إلى رافد اقتصادي يدعم الصناعة والبيئة معاً.

خلاصة واستشراف 📝

إن الغاز المصاحب للبترول لم يعد مجرد ناتج عرضي مزعج، بل أصبح ركيزة أساسية في معادلة الطاقة العالمية. الانتقال من ثقافة "الحرق والتخلص" إلى ثقافة "المعالجة والقيمة المضافة" يعكس تطور الوعي البيئي والاقتصادي. مع استمرار الابتكار التكنولوجي، سنشهد المزيد من الحلول التي تجعل من كل قطرة نفط وكل قدم مكعب من الغاز مصدراً للطاقة النظيفة والرخاء، مما يساهم في مستقبل أكثر اخضراراً وكفاءة.

لمعرفة المزيد حول تقنيات معالجة الغاز واقتصادياته، يمكنكم زيارة المصادر التالية:

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال